الاثنين، 14 نوفمبر 2011

أشهر مــائة فنان في الغناء العربي

أشهر مــائة فنان في الغناء العربي بقلم الصحفي الأستاذ محمد سعيد • شادية فصل من الجزء الأول من كتاب : " أشهر مائة فنان في الغناء العربي " وعنوانه ": " الأوائل ". وكان هذا الجزء يضم فصولا عن أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وودريع الصافي وفايزة أحمد وغيرهم . قطرات من الحب في بحر النغم ليست نجمة عادية ، فقد استطاعت أن تقيم علاقتها مع الفن كونه حاجة للذات مثلما هو حاجة للمجتمع ، ولهذا امتلكت ذلك الحضور المميز فوق خريطة التمثيل والغناء معا في كل نافذة أطلت منها عبر السينما والمسرح والراديو والتلفزيون وحتى في الحياة العامة ، وتميزت شادية بإتقان مهارة الحضور ، وأوجدت بذكائها الفطري وحسها الاجتماعي وثقافتها وإخلاصها وصدقها مع نفسها ومع من يتعاملون معها ومع من يستقبلون فنها ، نوعا من التوازن المرغوب لكي يتحول الفنان الى رمز ، وهي تعلن عن قدرتها على العطاء في كل مراحل عمرها ومنذ بدأت صبية صغيرة منطلقة يحدوها الأمل في النجاح الإنتشار وحتى نجحت مصحوبة بالتقدير والإقبال الجماهيري وحتى قررت التوقف عن تقديم الجديد مفضلة الإعتزال ودون أن تترد ودون أن تتراجع ودون أن تضعف امام الأضواء التي ظلت مسلطة عليها طوال سنوات عملها بالفن . أخلصت شادية لفنها وهي تعلن عن عشقها الكبير عبر المساحة التي شغلتها من شاشة عمرها الفني وكانت مثالا للمرأة في أكثر من صورة وفي أوضح من نموذج ، وهي أيضا في حضورها الإنساني صاحبة مشاعر رقيقة وصاحبة ابتسامة عزت على الكثيرين . شادية على الشاشة وعبر الميكروفون وفي اللقاء المباشر ، هي التعبير الذي يعنى هذا المزيج المتجانس الذي يرتبط بذلك الخيط الرفيع من العاطفة وحتى أرق المعاني النبيلة ، وبحيث إتحدت كل هذه العناصر في حضورها العام وعبر صوتها وأدائها التمثيلي. وشادية المطربة هي أيضا الممثلة وبنفس القوة والتألق وفي المجالين أعطت وأبدعت وتألقت ونجحت ، وصارت من أبرز الأسماء ، فالبقدر الذي تميزت به كممثلة لعبت عشرات الأدوار المركبة في وجدان عشاق الفن السابع ، بقدر ما كان لها الوزن نفسه كمطربة لها وزن خاص في السلم الغنائي . بعد كل هذا آثرت شادية الغتزال وصدى التصفيق لك يزل في الإسماع بعد 20 عاما من قرارها الذي احترمناه بقدر ما أصرت عليه ، لقناعتها وقدرتها على الإقناع عبر صدقها وإيمانها وقوة التزامها بما انتوته . ومنذ قررت الإبتعاد وهي في قمة العطاء والتألق ، يطالبها الجمهور بالمزيد من الغناء في آخر حفل غنائي لها ..... ويقبل عشاق السينما على فيلمها الأخير الذي يمتد عرضه لعدة سنوات ، وهو أيضا مصحوب بنجاح غير مسبوق من خلال نجاحها على لامسرح في أول وآخر عمل لها .. . منذ استفتت عقلها وقلبها واتخذت قرارها ، وكل من يعرف حرصي على الإطمئنان عليها من عشاق قنها ومن زملاء المهنة ...... وعبر تساؤلات حوار البرامج في الإذاعة والتلفزيون ، والسؤال يتكرر : كيف حال شادية ؟ ولا أجد ردا غير ما أسمعه منها كلما تحدثت إليها هاتفيا : " الحمدلله بخير ". إنها شادية هذه الإنسانة الطية التي لآ أذكرها أبدا أنها خدشت مسامع من بتجدث معها بكلمة تكدره ، كما أنها أيضا تلك الراضية القنوع التي تحب الغير وتحب لهم الخير ، ولم يحدث طيلة سنواتها الممتدة مع الفن من الإنتشار الى الإعتزال أنها خلفت خصومة مع أحد أو أنها سعت لمضايقة أحد بل هي تلك الانسانة التي وصفها يوما الكاتي الساخر الكبير أحمد رجب بأنها في كل ما يصدر عنها مرادف لمعطيات شخصية ، " الهانم" ، وربما كان الفنان القدير محمود ياسين مصيبا أيضا عندما قال يوما عن جماهيريتها ونجاحها ومكانتها في القلوب ": إن شادية محبوبة من غير أي تحفظ " . وشادية التي أعرفها إنسانة راقية ، وشادية التي يعرفها الناس فنانة صادقة ، عظيمة الموهبة ـ تبادل عشاق فنها حبا بحب ، ولهذا ما زال الإطار الجميل الذي صنعوه لإسمها باقيا زاهيا برغم حرصها على الابتعاد ،بينما غاب غيرها وهو حريص على الإقتراب . واتذكر حوارا عنها جرى بيني وبين نجم اليابان المطرب والمغني الكبير يوشاهير إيشيهار خلال زيارتي لليابان عندما سألته لما وكيف جرى إختيار شادية لتلعب بطولة الفيلم الياباني " على ضفاف النيل " ، إخراج ماناجاوا إن نجم الفيلم قال لي ": لقد إخترناها بعدما شاهدنا مشاهد سينمائية لكل نجمات التمثيل في مصر ـ وأتفقت الآرآء عليها قبل أن نلتقي بها وقبل أن يجري الإتفاق معها فقد إجتمعنا على أنها تمتلك تعبيرا إنسانيا عاليا وملامح جميلة وتعبيرها فيه ملامح الشخصية المصرية الشرقية ، إلى جانب قدرتها الممتازة على إتقان الآداء . وما بين حوار نجم اليايان الأول إيشيهار وما أطالعه عنها في سطور الهواة حول فنها في مواقع الأنترنت وعبر بريد الصحف والمجلات ، إلى جانب قناعتي عنها وأرآء من أعرفهم ، فإن شادية هي حالة خاصة من الحالات النادرة التي عرف الملتقى العربي كيف ينجذب إلى فنها ، في الوقت نفسه الذي عرفت فيه كيف تستمد من هذا التشجيع كل مقومات النجاح والقدرة على التطور والتجديد ، وهي مقومات جعلت منها إسما على مسمى ... شادية الأسم وشادية المعنى . وهي حالة خاصة ونادرة من حيث أنها في عطائها جمعت بين قدرات رائعة في التعبير في أكثر من مجال ، عطاء الممثلة المبدعة وعطاء المطربة المتفردة . وإذا كان الاإبحار مع قطرات الحب في بحر النغم الذي أعطت له شادية نحو ألف أغنية في كل الألوان يحتاج غوص مزدوج في بحر عطائها ، خاصة وإن للإداء العبقري المميز لشادية المطربة تأثير تعبيري غير مسبوق عند غيرها عندما تتناول العطاء المميز لشادية المطربة . بدأت فاطمة أحمد كمال شاكر " وهذا إسمها الحقيقي " الطريق كفتاة صغيرة تغني بصوت يمزج الحلاوة والرقة ، يجمع ملاحة الشكل ورقة الإحساس . وعرفت إبنة الثانية عشرة من العمر ( مواليد عابدين في 8 فبراير / شباط 1934) على مستوى الوجوه الجديدة بعد أكثر من تجربة في حفلات المسرح المدرسي وحتى وصل رنين وصدى الفتاة الصغيرة إلى من يبحث عن موهبة سينمائية غنائية . فكان النجاح في الإختيار على يد المخرج الكبير أحمد بدرخان ـ ثم الوصول إلى الفرصة الأولى عبر الموسيقار محمد فوزي في أول فيلم من إنتاجه، والمخرج حلمي رفلة في إيمانه بموهبتها ، وتشجيع محمد فوزي الذي منحها الفرصة الأولى في أول لقاء جمعهما . حددت شادية موقعها منذ بداية خطواتها السينمائية الأولى عبر فيلم " العقل في إجازة" إنتاج 1947 ـ أمام نجم الفيلم ومكتشفها محمد فوزي فقد تميزت صاحبة الملامح الدقيقة في تحقيق المعادلة بجمع توازن صفات حياء العذراء وكبرياء الأنثى وبساطة الفتاة المصرية وتدفق مشاعر البنت المصرية العربية . وتلمع شادية بما تمتلك من مقومات النجاح ؟؟؟ فهي حلوة التقاطيع ، تجيد التمثيل في عفوية وبساطة ، وتمتلك مع هذه المقومات في الأداء السينمائي مقومات أخرى معاونة ، فلصوتها الجمال والرقة ، وهو يجنح إلى التعبير في زمن التطريب ويجنح إلى التبسيط في زمن إظهار المهارات الصعبة ، وهذا ما ساعدها على تفضيل السينما لها وتقديمها في دور " الصغيرة الشقية" حيث سمتها الصحافة الفنية في الخمسينات " الدلوعة" نسبة إلى هذا الدلال وهذه الحيوية ، التي جعلتها في موقع فتاة الأحلام لكل شباب هذه السنوات ، فكان رصيدها من بطولات الأفلام السينمائية يتفوق على كل من ظهر قبلها وبعدها من ممثلات ومطربات . وإذا أردنا الحصر قيمكننا أن نذكر نشاطات شادية في سنوات إنتشارها الأولى على النحو الذي يبدو في الأفلام التي شاركت في بطولتها في الفترة الممتدة بين 1949 وحتى عام 1954 ، وهي فترة النجاح التلقائي التي جعلتها النموذج لدى فتيات جيلها ، والعروس أو فتاة الأحلام عند مراهقي تلك السنوات . والملاحظ في أفلام شادية مرحلة الإنتشار ، أن العنصر الأساسي المساعد على نجاحها تمثل العفوية والبساطة والجاذبية والحضور المصاحب لظهورها السينمائي ، ثم جاءت سنوات التحول التي مر فيها المجتمع في ذلك الوقت من الخمسينات ، وهو ما أدى بالظروف السياسية والإجتماعية والثقافية إلى أن تلعب دورا رئيسيا في خلق المكونات المختلفة لنجوم تلك الفترة من شباب الفن ، فكان الإقبال على الجديد الذي تمثله شادية والذي قدمته في عالم التمثيل والغناء عبر الشا شة الكبيرة ، وهو ما يمثل درجة واضحة من الإلتفاف الجماهيري ، وكان أبرز رموزه النسائية شادية ، وأبرز رموزه من الرجال عبد الحليم حافظ ، من هنا أيضا كان تعبير شادية عن هذا الإتجاه في أفلام بسيطة مزجت المشاعر العامة بالمشاعر العفوية الشعبية ، وقدمت لونا جديدا من الأفلام التي تأثرت بقيام ثورة 23 يوليو ( تموز) سنة 1952 وكان تعبيرها السينمائي المبتهج بالعهد الجديد في سلسلة أعمال من بينها أفلام " يسقط الإستعمار " بشرة خير " لسانك حصانك " أنا وحبيبي " حب من نار " وأيضا في أغان مثل " يا بنت بلدي زعيمنا قال : قومي وجاهدي ويا الرجال " . التي لحنها محمود الشريف عندما إعترفت ثورة 23 يوليو ( تموز)1952 للمراة بحقها السياسي في أول دستور عام 1956 . لم يكن للتلقائية والجاذبية والظروف التي يمر بها المجتمع كل الأسباب التي أدت إلى هذا النجاح ، بل ساهمت الصحافة أيضا به من خلال الكتابات التي صحبت ظهور وبزوغ نجم شادية ، فالعودة للمجلدات التي صدرت في الخمسينات من مجلة الكواكب " وبالتحديد في تاريخ 22 دسيمبر( كانون الأول) من عام 1952 تكتشف ما كتبه شيخ السينمائيين الراحل المخرج أحمد كامل مرسي في مقال عن شادية قال فيه ": لا ندري متى ولا أين ولا كيف تسللت هذه الطفلة غلى دنيا الفن ، ولكن شادية نسللت ونجحت ولمعت دون غيرها ودون أن يكون لأحد فضل عليها إلا مواهبها الناشئة لأنها وهي الصبية الصغيرة إستطاعت أن تكتسب حب الجميع وإحترامهم وعطفهم ، وفوق ذلك تقديرهم ولم تزل تسير في خطوات ثابتة وتقفز من نجاح إلى نجاح ، حتى بلغت الشباب وهي لا تزال نقية ... وأحسب أن هذا سر من أسرار نجاحها ...." ووسط هذا النجاح من التشجيع الجماهيري والرسمي والصحفي بحثت شادية " الممثلة " عن شخصية فنية تشكل بها إضافة إلى ما اشتهرت به منذ بداياتها عبر أداء مقنع للبنت الشقية والمراهقة والدلوعة . ويحدث هذا عندما تتمرد شادية على شخصية الدلوعة الشقية لتحقق نقلة نوعية ظهرت إيجابياتها في أفلام أواخر الخمسينات .. وتكون بداية التجربة في منتصف الخمسينات في فيلمها " ليلة من عمري " إخراج عاطف سالم ، وهو الفيلم المقتبس عن الفيلم الإيطالي " مرارة الأرز " الذي لعبت بطولته سلفانا مانجانو ، وأخرجه فيتوريودي سيكا ، وفيلم شاطيء الذكريات الذي أخرجه عزالدين ذوالفقار والمقتبس عن القصة العالمية نفسها لفيلم ( فاني ) الذي لعبت بطولته لسلي كارون أمام موريس شيفالييه وشارل بواتيه وهورست بوكهونز ثم يأتي دورها " العلامة " في " المرأة المجهولة " من إخراج محمود ذو الفقار . وبعد بداية هذه الأعمال التمهيدية تأتي أهم مرحلة من مراحل نجاح شادية في السينما التي قدمت فيها الشخصية النسائية المحورية في أهم أعمال الكاتب نجيب محفوظ والتي قدمتها السينما . وكانت بداية هذه المرحلة المهمة في دور فتاة الليل المطحونة " نور " في فيلم اللص والكلاب والتي تساند " سعيد مهران " " الهارب من العدالة " إيمانا منها بعدالة قضيته ، وأخرج الفيلم كمال الشيخ الذي جعل شادية تمثل فقط دون أن تغني ولأول مرة . في مشوارها الفني في عام 1962 وبعد ما يقرب من 14 عاما صارت فيها نجمة الشباك الأولى من خلال شخصيتها السينمائية التي تمزج الآداء التمثيلي باإداء الغنائي . يعكس اختيار كمال الشيخ لشادية للقيام بهذا الدور المختلف وتعبيره والذي جاء من دون شك عن إقتناع عميق من مخرج متمكن . نجحت شادية في تصوير شخصية " نور " التي لم تكن مجرد فتاة ليل بمواصفات السينما السائدة في هذه السنوات ، ولكنها كانت أيضا ومن خلال عمق فهم الشخصية وجودة رسم أبعادها ، تلك المرأة التي ساعدت وعت إقتناع وفهم ، ذلك الخارج عن النظام الذي أفسده صاحب الفكر المدمر وتخلى عنه عند السقوط ، بدل أن يدافع عنه وعن الظروف التي دفعت به إلى الجريمة مع أن اللص لم يكن سوى منفذ لآراء أستاذه صاحب الفكر المنحرف . يأتي اللقاء الثاني بين شادية وأعمال نجيب محفوظ الروائية في دور " حميدة " الفتاة الطامحة والمتمردة في " زقاق المدق " تلك الفتاة التي عاصرت محنة التدهور الإجتماعي في ظل سطوة الأجنبي المحتل . ثم كان اللقاء الثالث في دور كريمة في فيلم " الطريق " والرابع في دور زهرة في فيلم " ميرامار " . وتصاعد نجم شادية السينمائي بعد هذا النجاح الباهر حيث دعم مكانتها كممثلة قديرة ونجمة لها جماهير طاغية ويعاونها هذا في تحقيق المعادلة الصعبة بين النجاح الجماهيري والإتقان الفني ، ومن ثم تم إختيارها للأدوار الصعبة الإنسانية والتي كان أبرزها دورها في فيلم " أغلى من حياتي " الذي قدمت فيه الدور نفسه السينما العالمية من خلال سوزان هيوارد في فيلم " الشارع الخلفي" وكان نجاحها في هذا الدور معاونا لها في البحث عن أنماط أخرى تمثل من خلالها شخصيات ، وتعبر عن قدراتها في الأداء الكوميدي وإستثمار مخرجي أفلامها لخفة ظلها الشديد وقدراتها الكبيرة على أداء أدوار ( الكاراكتر ) وتنجح مع المخرج فطين عبد الوهاب بعد نجاحهما معا في فيلم " الزوجة 13 " في تقديم هذه الأعمال الناجحة عبر أفلام إجتماعية إنتقادية ساخرة منها " مراتي مدير عام " " ونصف ساعة جواز" " وعفريت مراتي " " وكرامة زوجتي" وفي الفيلم الإستعراضي " أضواء المدينة " . بعد هذه ألأدوار التي تحسب لها وتضيف إى بريقها السينمائي ، يأتي ـالقها في تجسيد الملاحم والأساطير عندما قدمت شخصية " فؤادة " التي واجهت جبروت وسطوة " عتريس " في سياق فيلم " شيء من الخوف " وهو العمل الذي أخرجه حسين كمال ليكون أول فيلم عربي من مصر يعرض في اليابان وتشتري حق عرضه شبكة اللتفزيون القومية اليايانية ( N.H.K.) لتعرضه على الناس مدبلجا باللغة اليابانية . وكانت الستينات هي أعوام التدقيق والإختيار عند شادية بعد سنوات الإنتشار الكمي في الخمسينات فإن السبعينات كانت إزدهار في مجالات كمطربة مع الإصرار على أن السينما وفي هذه المرحلة شهدت رواجا زائفا من السينما التجارية على حساب القيم الفنية بالنسبة لشادية " الممثلة " إعتبرت سنوات إنكماش ، ولهذا لم تقدم في السبعينات سوى أفلام " نحن لا نزرع الشوك " إخراج حسين كمال ، و " لمسة حنان" إخراج حلمي رفلة " و" أضواء المدينة " إخراج فطين عبد الوهاب و " ذات الوجهين " حسام الدين مصطفى و " الهارب " إخراج كمال الشيخ و " إمرأة عاشقة " و " أمواج بلا شا طيء "إخراج أشرف فهمي ، ثم " الشك يا حبيبي " إخراج بركات . أما في حقبة الثمانينات فكانت تجربتها المسرحية من خلال بطولتها ل " ريا وسكينة " والتي إستمر عرضها نحو ثلاث سنوات في القاهرة والإسكندرية وعدد من العواصم العربية ، وقد حققت مبيعات الفيديو لهذه المسرحية رقما لم تتجاوزه حتى الآن أي مسرحية أخرى ، وهي المسرحية التي تميزت بالمعالجة الكوميدية لموضوع مثير يتعلق بحكاية أشهر قاتلتين في تاريخ الإجرام وهما " ريا وسكينة " ولا شك أن الغناء والإستعراض كونه جزءا من التركيبة الأساسية للبناء المسرحي المذكور عاونا كثيرا على نجاح العمل . مع الإعتراف بأن الأداء الغنائي ما كان مقحما على النص ، على الرغم من وجود مطربة كبيرة مثل شادية تلعب البطولة المسرحية لأول مرة ، لكنها في هذا العمل قدمت اغاني مرتبطة بالبناء العضوي لدراما المسرحية التي كتبها بهجت قمر والف موسيقاها بليغ حمدي وأخرجها حسين كمال . ولا حرج في الإشارة هنا إلى أن تضافر عناصر مهمة ساهمت في تقديم هذه المسرحية وعاونت شادية على أن تصبح ممثلة مسرح راسخة القدم . ( على حد تعبير شركائها في العمل ومعظمهم من نجوم التمثيل المسرحي ) . وقد أثر شغل شادية بالمسرح على إستمرارية وجودها السينمائي فلم تقدم في الثمانينات إلا بعض الأعمال السينمائية القليلة " وادي الذكريات " إخراج بركات و " رغبات ممنوعة " إخراج أشرف فهمي الذي أخرج لها أيضا آخر ما عرض لها على الشاشة الكبيرة " لا تسألني من أنا " واذي قدم في العام 1984 وحقق نجاحا كبيرا على الرغم من أن الموضوع يدور في إطار الميلودراما السينمائية في فيلم مأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس . الإلتزام والسلوك إن شادية التي تملك أكثر من موهبة للتعبير ، جربت كل ألوان العطاء التمثيلي عبر الراديو والسينما والمسرح والتلفزيون ، لكنها لم تقدم خلا ل رحلتها الفنية أي مشاركة في مجال الدراما التلفزيونية ، فاقتصر حضورها التلفزيوني على الغناء المنقول من الحفلات العامة أو المصورة بكاميرات الفيديو في الأستديو . إن أكثر ما يثير كل من يتابع حضور شادية الفني في الماضي والحاضر وحتى توقيت الإعتزال هو هذا البعد المميز لشخصيتها والمتمثل في قدر كبير من الإلتزام المتصل بأخلاقيات وسلوكيات صاحب الموهبة الممتلك لرصيد التجربة ، المحب لعمله والحريص عليه ، والمقدر للآخرين عبر تشجعيه وتدعيمه للمواهب الشابة التي ظهرت بعده . تميزت رحلة شادية مع العطاء بذلك الصفاء الذهني الإبداعي الذي أتاح لها تحقيق طموحاتها المتوهجة والتي واكبت بها إنفعالات الناس ، مما جعلها تشعر بمسؤولياتها تجاههم ولإسم شادية وحجمه الفني ورصيده الضخم والدائم ليظل متقدا ومتوهجا حتى بعد الإعتزال . إن المرادف لإسم شادية في خريطة الفن العربي هو في تعبير " اللماحة " فقد ظلت هذه الفنانة ومنذ بداياتها وحتى إكتمال نضجها وتركها للأضواء برغبتها ، هي تلك الشخصية الفنية المتطورة التي تستوعب الفكرة الجريئة والجديدة وتقدمها في توقيت لأنها وعبر عوامل الإحساس لأنها تعرف ماذا تريد بدقة وماذا يريد الناس منها أيضا ؟ ولأن شادية تعرف بدقة ماذا تريد ، فهي ومن هذا الفهم تحدد نقطة البداية وتصل إلى محطة الوصول .. تعرف مت تبدأ ... وتعرف أيضا متى تتوقف ... وتعرف أيضا متى تتوقف . ولهذا كان النجاح المدوي في علاماتها العديدة ، وكانت جميلة التأثير، باقية التعبير غزيرة الرصيد ، ولهذا جاء قرارها الخاص بالإعتزال ، وهو القرار الذي نحترمه لأنه يعبر عن صدقها ويميز كل تجربتها الماضية والحاضرة . أداء أنيق ونبرات رقيقة هي حالة خاصة من الحالات النادرة التي عرف المستمع العربي كيف ينجذب إلى فنها في الوقت نفسه الذي عرفت فيه كيف تستمد من هذا التشجيع كل مقومات النجاح والتجديد الي جعلت منها إسما على مسمى . . صاحبة هذا الإسم لها صوت أليف معبر ينقل في حيوية شحنه أحاسيس تلامس الأذن وتخاطب المشاعر . وتصل إلى الوجدان بسهولة إقترابها من النفس التي تصل بها أيضا إلى مراكز الأنفعال لدى من يتابع فنها المميز وعبقريتها في التعبير . عطاء شادية في عالم الغناء أعطته ما يقرب من ألف أغنية قدمت من خلالها الأغنية الخفيفة والناضجة ، القصيرة والطويلة والوصفية والتعبيرية ، أجادت في كل مسار وتألقت في كل إتجاه ومن خلال ما عرفه عنها القاصي والداني في عالم الغناء من أداء أنيق متميز ،وإحساس عميق وإنفعال صادق . عرفت شادية الشهرة وهي لم تزل في بدايات أعوام المراهقة في نهاية الأربعينات ، عندما أسند اليها محمد فوزي والمخرج حلمي رفلة بطولة فيلمهما " العقل في إجازة " ولكي يعثر الملحن القدير على النغمة الملائمة للإكتشاف الجميل ـ ولكي تظل هذه النغمة المسار الصحيح لشادية خلال مراحلها الفنية التي إتسمت بالنجاح ومنذ الخطوة الأولى وحتى آخر لقاء لها مع العطاء الفني ، لم يفارقها النجاح ، ولم يفارق إخلاصها وصدقها في غالبية التجارب الفنية التي عبرتها ومرت بها . بدأت شادية وهي في البدايات فتاة صغيرة السن تمثل وتغني في السينما ، وتقدم أغاني الحب والسعادة ... مراهقة تعبر عن حالة مهمة في سنوات العمر ـ تغني في بهجة وتفاؤل وإنشراح . هذا الغناء الذي جعلها تعبر عن ملايين الناس ممن رددوا أغانيها الجميلة والمعبرة عن طموحات البنت العربية المنطلقة . غنت شادية في مرحلتها المبكرة التي إستمرت منذ نهاية الأربعينات وحتى نهاية الخمسينات ، فقدمت بصوتها ملامح الطفولة والليونة المصحوبة بالذبذبات السريعة ذات البريق ،حيث النقاء وسهولة أداء النغمات الحادة والقدرة على ضبط النغمات وفي البدايات حيث كان محمد فوزي من أكثر الملحنين تأثيرا فيها من ناحية رسمه للخط البياني لغنائها ومن غنائيات مازلنا نذكر منها " لقيته وهويته " و " أنا بنت حلوة " و " الحب له أوقات " و " " متشكر " و " إسكندرية يا غرامي " و " كتروا الخطاب " و " لأ يا سي أحمد " وغيرها . بعدها شهد صوت شادية تعاونا خلاقا عبر ألحان منير مراد الذي وجد في صوتها قيثارته الذهبية ، ومنذ حدث اللقاء الأول في أغنية " واحد .. إثنين " وليتكرر النجاح في أعمال عديدة واضحة المعالم مثل " سوق على مهلك " و " يا دبلة الخطوبة " و " يا سارق من عيني النوم " و " على عش الحب " و " إن راح منك يا عين " وفي نفس التوقيت عرف الموسيقار محمود الشريف كيف يوظف صوت شادية من تقديم الحانه المستمدة من أعماق الوجدان وتأتي ألحانه " يا حسن يا خولي الجنينة " و " ليالي العمر معدودة " و حبينا بعضنا " و " آه يا لموني " وغيرها . ويتكرر النجاح مع ملحني تلك السنوات ، وحيث أثمر اللقاء بين شادية وكمال الطويل أغاني منها " عجبان واحشته " و " الظلم حرام " و" قل إدعو الله " و" وحياة عينيك وفداها عيني " وأن يثمر اللقاء مع ألحان محمد الموجي أعمال عديدة منها " شباكنا ستايره حرير " و " يا قلبي سيبك " و " الورد والشوك " وأن يعطي لقاء ألحان بليغ حمدي وغناء شادية أغنيات مثل " أبو عين عسلية " و " مكسوفة " و " أنا عندي مشكلة " . ومع إقبال شادية على غناء ألحان أبرز الفرسان من جيل الظهور في الخمسينات قدمت أيضا للأستاذة ممن سبقوهم عددا آخر من الأعمال منها ما لحنه رياض السنباطي لها " إحنا في الدنيا ولا في الجنة " و " أحب الوشوشة " و " سبحان الله " وما لحنه لها محمد عبد الوهاب من أغان مثل أغنية " أحبك " وأغنية " بسبوسة " وهي غير ألحانه لمجموعة الفنانين والتي كانت شادية الوحيدة التي غنت فيها جميعها بداية من أغنية " قولوا لمصر " وحتى أناشيد " وطني الأكبر " و " الجيل الصاعد " و " صوت الجماهير " . وتعد هذه الفترة من غناء شادية هي فترة العطاء المبكر الذي تميز بالذكاء في الآداء والإستفادة من القدرات النابعة عن موهبة صادقة ، جعلت شادية تجيد تقديم ألحان من وضعوا أشهر أغانيها دون أن تغير شخصيتها الفنية التي تكونت في المدرسة وفي البيت ، وعبر تدريبات خاصة على يد الملحن فريد غصن ، الأمر الذي جعل معظم الألحان التي قدمتها شادية تبدو وكأنها ملازمة لطريقة أدائها ، على الرغم من حرص شادية على الطابع الذي يميز أصحابها من الملحنين ... فبدت في أغنية " يا حسن يا خولي الجنينة إدلع يا حسن " لمحمود الشريف مختلفة عنها في " يا سارق من عيني النوم " لمنير مراد أو " الظلم حرام " لكمال الطويل أو " شباكنا ستايره " لمحمد الموجي ، أو غيرها . أخصب المراحل الفنية في الستينات عبر صوت شادية إلى مرحلته الثانية وبعد مرحلة الأغنية القصيرة التي قدمتها في السينما ،وانتقلت إلى الأسماع عبر الراديو لتقدم إسم شادية إلى الملايين التي عرفت هذا الغناء المنطلق في حيوية وشباب ، وفي المرحلة الثانية تطور صوت شادية بحيث تخلص من آثار الطفولة ودخل في طور آخر أكثر نضجا وإستقرارا ووضحت معالمه الفريدة ، وحيث نمت قدراته في التعبير والتلوين والتمكن ... وتعد هذه المرحلة أخصب سنوات العطاء الغنائي في سطور شادية الغنائية ، وقد عاونها على تحقيق ذلك خبرة الخمسينات في الغناء والتمثيل وثقافتها العامة وحسن إمساكها بالخيط الذي يربطها بمشاعر الناس ، وبعدها توقفت شادية فترة وتفرغت للتمثيل من دون غناء .... وعادت لتقدم " يا أسمراني اللون " ، " قولوا لعين الشمس " ، " خدني معاك " ، " الحنة يا قطر الندى " ، " والله يا زمن " ، " يا روحي أنا " ، من ألحان بليغ حمدي ـ وأيضا " غاب القمر " ، " أنت أول حب " ، " بوست القمر " ،" شيء مش معقول " ، من ألحان محمد الموجي . لقد تربت شادية على هذا النضج في الأداء ، قدرة على تقديم مختلف الألوان الغنائية من خلال إرادة قوية جعلتها تحافظ على جمال صوتها الذي نقول عنه وبشهادة فنانة دارسة هي المطربة عفاف راضي التي إهتمت بالتغيرات التي تطرأ على الصوت في رسالتها الأكاديمية ووجدت أن صوت شادية لم يتأثر في آخر ما سمعناه منها من غناء ، وبعدما يقرب من اربعين عاما على ظهورها أول مرة ، وبحيث ظل الصوت يحافظ على نقاوته ولمعانه وخصوصيته .... وقد أضيف لهذا التوصيف لصوت شادية ما نلحظه على أغاني مرحلتها الثانية ومن أبرزها أغنيات مثل " يا أسمراني اللون " ، لبليغ حمدي ، " فارس أحلامي " لمنير مراد ، " غاب القمر " لمحمد الموجي ، وهي الإضافة المتمثلة فيما طرأ على جمال الصوت الذي زادته الأيام حلاوة وإحساسا في التعبير جعلتها تقدم بشجاعة على محاولاتها الغنائية التي قدمتها ومن خلالها أضافت الجديد في العطاء والجديد من الأسماء وعبر حنوها على الجديد وتشجيعها لهذا الجديد الذي قدمته في سنوات السبعينات والثمانينات التي وكان أبرزها أغنيات " إتعودت عليك " ، " الحب الحقيقي " ، لخالد الأمير ، " ويا روحي قلبي " لإبراهيم رأفت ، وهي غير إتجاهاتها المتمثلة في إحترام إحترام الرواد وتقدير الأصالة وهو سلوك لم يغيب عنها منذ أن فكرت في أن تتنتج فيلما غنائيا أسندت تلحين جميع أغانيه للموسيقار رياض السنباطي وهو فيلم " ليلة من عمري " إخراج عاطف سام وحتى عودتها لغناء ألحان أحمد صدقي ومحمود الشريف في الحفلات العامةعندما غنت لكل منهما " أجمل سلام " ثم " مسرك حتعرف " ، وحيث كانت هذه الأغاني من أشهر ما قدمت في الحفلات الغنائية التي قدمت خلالها " رحلة العمر " لكمال الطويل ، " أحلف ما كلمته " ، لمحمد الموجي ، " ليلة سهر " لبليغ حمدي ، " همس الحب " لسيد مكاوي" . لقد تميزت المرحلة الثالثة من غناء شادية بالتعاون مع ألحان وكتابات الشباب ، وهو ما أعطى صوت شادية قدرة على التنويع في إضفاء التعبير المناسب وحسن إختيار نبرة الصوت الملائمة لإبراز الجو النغمي والفسي المراد الغناء له . وتعد غنائيات شادية في تلك السنوات الأبرز بالنسبة للأيادي التي امتدت لشادية فأخدت بها وعاونتها فأصبحت في مكانة نقطة التحول المهمة في مسيرة شادية وعلى نحو في لحن عمار اشريعي " أقوى من الزمان " ولحن خالد الأمير " إتعودت عليك " ولحن إبراهيم رأفت " أنا وقلبي " ولحن محمد عل سليمان " أصالحك بإيه " ولحن عزالدي حسني " الأسمر " . وما فعلته شادية مع أهل النغم سبق أن قامت به مع أهل الكلمة من أصحاب الكلمة الطيبة فبعد نجاحات مع كلمة مرسي جميل عزيز ، حسين السيد ، فتحي قورة ، أبو السعود الأبياري ، محمد علي أحمد ، وجليل البنداري . تعاونت شادية مع شعراء العامية وكتاب الأغنية من الجيل التالي ، وكانت أغانيها من أبرز علامات البدايات في حياة أعلام مثل عبد الوهاب محمد وأغنية " التلفون " وعبد الرحمن الأبنودي ، وأغنية " أسمراني اللون " ومجدي نجيب وأغنية " قولوا لعين الشمس " ومحمد حمزة وأغنية " عالي ..عالي " ومصطفى الضمراني وأغنية " أقوى من الزمان " وصلاح فايز وأغنية " الحب الحقيقي " وعبد الرحيم منصور وأغنية " أم الصابرين " . صوت لا يعرف النشاز إن صوت شادية بمواصفاته الأنيقة وأدائه المعبر الذي وصل إلى السماء العربية عبر الراديو والسينما والكاسيت والأسطوانة ، وأيضا من خلال تجربتها الوحيدة في المسرح .، هذا الصوت بمثابة كتاب مفتوح الصفحات يعرف الناس مزاياه مثلما نعرفها ... فهو الصوت الذي قالت زعيمة الغناء العربي أم كلثوم عنه " إنه الحنان ذاته" .. فهو صوت يعبر عن النفس الطيبة لصاحبته ، ويصل إلى مشاعر الذين يحبونها عبر جسر من صوتها الحنون البديع . وما قالته أم كلثوم أضاف إليه العندليب عبد الحليم حافظ وصفا تعبيريا عندما قال " إن صوت شاداية لا يعرف النشاز فهو ينتقل كالعصفور الطليق من نغمة إلى أخرى ومن مقام إلى مقام في بساطة ويسر من يعرف ومن يجيد ومن يسهل عليه الغناء . كل هذا الحب وعلى الرغم من الجماهيرية التي أحاطت شادية خلال مراحلها الفنية التي إستمرت ثلاث حقب متتالية ، فإن شادية لم تركن في عطائها إلى باقة الحب الذي يحيط بحضورها ، لأنها وهي تعرف مكانتها كنجمة كبيرة تعرف أيضا أن النجومية تنبع كذلك من عناصر النبوغ والتفوق ، وإن إستمرارية إسم شادية وحتى بعد قرارها الإعتزال الذي لم يترتب عليه تغيير في إقبال الناس على إقتناء أعمالها السينمائية الغنائية هو أمر يعود لأنها في سنوات العطاء أكدت الموهبة بالتثقيف والصقل والتدريب بحيث زادتها الأيام رونقا لم تفلح معه محاولات الإبتعاد وهجر الأضواء وعلى نحو نشهد مؤشراته في مبيعات أشرط أغانيها ، وفي طلبات المستمعين والمشاهدين ممن يكتبون للراديو والتلفزيون ولأبواب البريد في الصحف والمجلات يتناولون فن شادية وكأنها في بؤرة الإهتمام ولم تترك الساحة بإختيارها وقرارها ، والناس تقول لها مستحسنة : أعد ....أعد .... أعد ... وهي تغني مسك الختام رائعتها " خذ بإيدي " لحن عبد المنعم البارودي وكلمات علية الجعار . إن الصدق هو مرجع كل هذا الحب .... فقد كانت شادية صادقة في كل ما صدر عنها من غناء وتمثيل وهي كذلك كانت صادقة في قرارها بهجر الأضواء وإعتزال العمل الفني ... إن مجالا معينا من مجالات تعبير شادية يبرهن على قيمة الصدق في بقاء ما يصدر عن الفنان الموهوب . ولو إخترنا مجال الغناء للوطن ومواكبة إنفعالات الإنسان في هذا الوطن ، فسوف نلحظ قيمة اللقب الذي اعطته الجماهير لشادية عندما وصفتها بصوت مصر . لقد غنت شادية ومنذ سنوات البداية غنية " يا بنت بلدي زعيمنا قال .. قومي وجاهدي ويا الرجال " عندما إعترفت ثورة عبد الناصر للمرأة بحقها السياسي ... كما غنت " يا مسافر بور سعيد " عندما نشبت حرب العدوان الثلاثي عام 1956 .. وغنت من ألحان رياض السنباطي " والله اكبر " من الحان عزت الجاهلي " الشعوب لما تريد " . عندما قويت شوكة حركات التحرير في وطننا العربي وعالمنا الثالث .. وغنت " كلنا عرب " عندما قامت حرب عام 1967 وفي سنوات الصمود في حرب الإستنزاف وقبل حرب رمضان ( تشرين – أكتوبر ) غنت " يا طريقنا يا صديق " ، " يا حبة عيني يا بلدي " ، " يا حبيبتي يا مصر " ، " يا أم الصابرين " ، " غنيوة الأسمر " ، وعندما إعتدت إسرائيل على الأطفال في مدرسة " بحر البقر " غنت بعيون دامعة " الدرس إنتهى لموا الكراريس " ... ومع إنتصارات رمضان في أكتوبر ( تشرين الأول ) 1973 غنت شادية " عبرنا الهزيمة " ثم بصلابة التحدي غنت " أقوى من الزمان " ومع عودة مصر للأشقاء العرب وعودة الأشقاء لها غنت شادية " إدخلوها سالمين " ،و "حياة رب المدائن " وهي غير الأغنية المبهجة التي عبرت عن فرحة عودة سيناء للسيادة الوطنية من خلال أغنية " مصر اليوم في عيد "التي لحنها الدكتور جمال سلامة . عرفت شادية كيف تبتعد بغنائها لهذه الوطنيات عن الأناشيد الزاعقة وعلى نحو كان يمثل غناء البعض ومن هنا كان نجاحها في تقديم أغنية حب مستمدة من الأحساس بالوطن والإدراك لمعنى الإنتماء لحضارته وثقافته والإيمان بمعتقداته . لخصت شادية بغنائها الصادق للوطن والإنسان في هذا الوطن المعنى الكامن من وراء إرتباطها بالناس وحبها وعشقها للأرض التي ترعرعت عليها وأعطتها كل ما تحلم به من نجاح وشهرة وحب وهداية . إن التغريد وصف مشتق من تغريد الطيور المشهود لها بحلاوة الصوت ... ولهذا وصف رياض السنباطي لصوت شادية بأنه في حلاوة تغريد البلبل بمثابة التعبير الأمثل عن هذا الصوت الذي يتسع عبره نطاق التعبير من مناطقه العالية والحادة إلى مناطقه المنخفضة في القرار ، ومن خلال إتساع ومرونة في التعبير في المنطقة المتوسطة لا يعتريها أي تغيير في اللون أو الطابع وعبر دقة كاملة في ضبط النغمات وإبراز نهايات العبارات في نقلات واضحة وصريحة ، هي في الأذن تعنى سلامة النبرات وجمال مخارج الألفاظ التي تبدو في نطق الحروف على هذا النحو الممتاز والذي يشهد عليه غنائها للقصيدة الصعبة التي لحنها رياض السنباطي وكتبها الشاعر محمود حسن إسماعيل " فوق صدر الضحى مال أغلى شعاع " . إن شادية هي أسم على مسمى لأن شدوها يعني مرونة التعبير ، ليس فقط بمكونات الصوت ولكن بملامح الوجه مصحوبة بإختيار نبرة الصوت الملائمة ومضافا إليها موهبة الحضور وصفات النجومية غير العادية التي أهلت لهذا الصوت الإستقرار في الوجدان، على الرغم من الحزم في إعلان قرار الإعتزال ، وترك أصحاب الأصوات الحلوة وكثرة باغية من أصحاب الأصوات المثيرة للآلام والأوجاع .

شادية ورحلة العمر مع الناقد والكاتب محمد سعيد

الناقد والكاتب الاستاذ محمد سعيد مع بليغ حمدي

الناقد والكاتب الاستاذ محمد سعيد مع بليغ حمدي
الناقد والكاتب الكبير محمد سعيد صاحب موسوعة "أشهر مائة في الغناء العربي" أشار في البداية الى ظهورالأغنية الوطنية قائلاً: الأغنية الوطنية بدأت من خلال سيد درويش الذي غنى أحلي الأغاني الوطنية التي نتذكرها حتي الآن مثل "قوم يا مصري"، و "بلادي بلادي" التي يغنيها حتي وقتنا هذا الطلاب في المدارس". وهناك أغاني عديدة مازالت تعيش في قلوبنا مثل "أحسن جيوش في الأمم جيوشنا" التي غنتها أم كلثوم، واغنية "مصر نادتنا فلبينا الندا"، وجميع أغاني عبد الحليم بعد الثورة مثل "يا جمال يا حبيب الملايين"، "احنا الشعب"، "صورة"، "ناصر يا حرية"، "احلف بسماها وبترابها". أن هناك الكثير من الأغاني الوطنية وليس أغنية واحدة من الممكن أن نؤرخ من خلالها الأغاني الوطنية مثال علي تلك الأغاني أغنية المطربة الكبيرة شادية "يا حبيبتي يا مصر"، حيث أن هذه الأغنية هزت أحاسيس الشعب بالنسبة لحب الوطن وأثرت فيهم بشكل كبير، إضافة ألي أغنية "مصر تتحدث عن نفسها" لـ أم كلثوم، وأغنية "المسئولية" لـ عبد الحليم حافظ، حيث أن الأغاني الوطنية في الزمن القديم كانت تمزج بين العاطفة بمعني حب الوطن ومسئولية الشعب تجاهه. كما أوضح الناقد محمد سعيد قائلاً: في فترة من الفترات كانت الأغاني بها حماسة مبالغ فيها، ولكن بعد ذلك أصبحت الأغاني أكثر نعومة وأكثر رقة ونستطيع أن نعطي مثال علي ذلك نفس الأغنية السابقة وهي "يا حبيبتي يا مصر" وهي من ألحان بليغ حمدي، حيث أن هذه الأغنية تؤثر حتي الآن في الجمهور بشكل قوي، مثلما تم إذاعتها عند فوز مصر بكأس افريقيا حيث تفاعل الناس معها بشكل كبير كما أشار الناقد الكبير الي أن هناك مرحلة مختلفة للأغنية الوطنية قائلاً: "بعد ذلك مرت مصر بهزيمة 67 فأخذت الأغاني الوطنية شكل مختلف منها الأغاني التي لحنها بليغ حمدي وغناها عبد الحليم حافظ مثل "موال النهار"، كما غنت شادية "يا أم الصابرين"، "غالية يابلادي"، و "ادخلوها سالمين". وعن الأسباب التي تجعل مثل هذه الأغاني تعيش في وجداننا حتى الآن ولا تنسي أشار إلي ذلك قائلاً: " في الماضي كان هناك الابتكار واللحن الجميل المبدع وكان هناك مستوى للكلمة كما أن الصوت شيء مهم جداً لكي تصل الأغنية للناس ويشعرون بها فكان المطرب يغني بإحساس صادق دون أي تزيف حيث كان يشعر بكل كلمة تخرج منه ويحس بها مثال علي ذلك عندما نسمع شادية وهي تغني للوطن أو عبد الحليم غير تامر حسني حالياً". وأضاف: أيضاً الملحنون لهم الفضل الكبير في نجاح الأغنية وجعلها تعلق مع الناس أمثال كمال الطويل، وبليغ حمدي، ورياض السنباطي فكان لديهم إبتكار فكل لحن كانوا يقدموه كان جديد ولا يشبه اللحن السابق أما في الوقت الحالي فنجد الألحان تشبه بعضها. العمل الجميل لا ينجح بالإلحاح بل بالإحساس وعما إذا كانت الصورة هي السبب فيما يحدث الآن للأغنية الوطنية فقد أشار سعيد الي ذلك قائلاً: "إن الصورة ليس لها علاقة بهذا التدهور الملحوظ للأغنية الوطنية فالصورة توجد من زمن بعيد فالسينما الغنائية بدأت من 1927 بـ "انشودة الفؤاد" والتلفزيون يوجد منذ عام 1960 وكان لا يوجد هذا التدهور الكبير في الغناء، واعتقد ان السبب فيما يحدث حالياً للأغنية الوطنية هو الإستسهال". وأضاف: "نحن نحتاج أن نقف قليلاً امام الأغنية الوطنية ونقدم للناس الاغاني القديمة من جديد فلابد أن نجعل الجيل الجديد يسمع الفن الأصيل الصادق فإن الشعوب المتحضرة مثل فرنسا تذيع حتي الآن أغنية من القرن الـ 17 في جميع احتفالاتهم، كما تفعل انجلترا نفس الشيء حيث تذيع أغنية "حفظ الله الملكة" وهي من مائات السنين، فمن الواجب علينا أن لا تتوقف الأغاني الأصيلة عن إذاعتها لكي نجعل الأجيال الجديدة تعرف ماهو اللحن الجيد والكلمات الجميلة. وعن ما الذي ينقص المعاني التي تقدم في الأغنية الوطنية حالياً قال محمد سعيد: يوجد أكثر من عيب ينقص معاني الأغنية الوطنية حالياً ومن أهمها أن كل الأغاني التي تقدم حالياً تقع في فخ المباشرة، حيث أنهم يتصورون أنهم يقدمون أعنية مختلفة من خلال كلمات بسيطة فيقعون في المباشرة، إضافة الي افتقاد الأغنية للإنسانية فأين أغاني الموسيقار محمود الشريف مثل "الله أكبر" فإن أغانيه لها مستوي إنساني عالي، ففي الماضي قدمت أحلام أغنية "يا حمام البر هفهف" فإن كلمات الأغنية ليست مباشرة حيث تتكلم عن معني الحرية، محمود الشريف وهي من كلمات صلاح جاهين، والحان محمود الشريف، وأغنية "ندراك لليوم ده يا ولدي" وكلماتها تعبر عن أم تندر أبنها للدفاع عن الوطن، والدويتو الذي يجمع بين نجاة الصغيرة وعبد الرؤوف اسماعيل وهو "وطني وصبايا واحلامي" الحان محمود الشريف، وعندما أصبحت المرأة المصرية لها صوت في الإنتخابات لحن الشريف أغنية "يابنت بلدي زعيمنا قال روحي وجاهدي"، المقصود أن الأغاني اليوم مباشرة ليس بها فكر أو ابتكار. وعن رأيه في ما يقدمه المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم، حيث أنه يعتبر الآن من أبرز المطربين في الغناء الوطني فقد اعترض الناقد الكبير علي كلمة المطرب قائلاً: "إن شعبان عبد الرحيم يعتبر مغني أو مؤدي وليس مطرب، ولكنه كمغني له الحق أن يعبر عن مشاعره الوطنية، ولو تأملنا في أغاني شعبان لوجدنا أن كلها علي لحن واحد فليس هناك لحن يختلف عن الأخر إذن أغانيه تفتقد عنصر أساسي وهام وهو اللحن أما بالنسبة للكلمات فنستطيع أن نحيي المؤلف إسلام خليل لأنه يكتب بقدر كبير من الصدق والإحساس، ونجد أن أغاني شعبان تصل الي الناس سريعاً، ولكنها تنسي سريعاً أيضاً فلا تظل عالقة في أذهانهم، فكلما تظهر أغنية جديدة تمحي التي سبقتها. وعما إذا كان من الضروري أن ترتبط الأغنية الوطنية بالحروب فأوضح الناقد الكبير ذلك قائلاً:ليس من الضروري أن ترتبط الأغنية الوطنية بحرب ولكن من الممكن أن تغني لحدث لـ إنجاز مثل بناء السد العالي الذي جعل كثير من المطربين يقومون بالغناء له مثل الأغنية الشهيرة لـ عبد الحليم "حكاية شعب" الحان كمال الطويل وكلمات أحمد شفيق كامل، وأغنية شادية "بلد السد" التي غنتها بشكل جميل وكأنها أم تحكي القصة لطفلها مما جعل الأطفال ينتبهون إليها، والأغنية للشاعر حسين السيد، والموسيقار منير مراد، وأغنية أم كلثوم "كان حلماً وخاطراً واحتمالاً" لـ رياض السنباطي، وعزيز اباظه". وعن رأيه فيما يقدم من أغاني حالياً مثل أغنية "الحلم العربي" فقد أشار الي ذلك قائلاً:إن أغنية الحلم العربي" هي تقليد لأغنية "وطني الاكبر" للشاعر أحمد شفيق، ولكن بالطبع لا ترتقي لمستواها، فإذا دققنا السمع في كلمات كل مطرب بـ أوبريت "وطني حبيبي" فسوف نجد أن هذه الكلمات تليق عليه مرتبطة بشخصيته وإحساسه، حيث نجد أن المطرب يعيش كل كلمة يغنيها ويحسها. وأغنية مثل "ماشربتش من نيلها" للمطربة الشابة شيرين عبد الوهاب لطيفة ولكنها لا ترتقي أن تظل في وجدان الجمهور، فمهما قاموا بإذاعتها مراراً وتكراراً فلا تعلق بأذهانهم، حيث أن الغناء الجيد ليس الذي يفرض علينا بل الذي نشعر به من أول مرة يذاع، فلا ينجح العمل الجميل بالإلحاح بل بالإحساس. وعن أغنية "لو كنا بنحبها" التي يغنيها مجموعة من المطربين - تامر حسني، وحسام حبيب، وسومه، ومدحت صالح، وبشري - فقد قال: ما معني "لو كنا بنحبها" ما احنا لازم نحبها فقد غني عبد الوهاب من قبل "حب الوطن فرض عليه بمعني أن حب الوطن من الدين فكيف "لو"، فلا يصلح أن أقول علي حب الوطن لو، وصراحةً انني كلما سمعت هذه الأغنية أقوم بتحويل القناة. وعن أغنية "اكيد في مصر" لـ مي سليم، ومحمود العسيلي يقول الناقد الكبير: "هي ترجمة بلغة العامية لأغنية "يا حبيبتي يا مصر" فالغناء الآن أصبح تقليد أعمي وليس للأفضل بل للأسوء، فلا يوجد مجهود في اللحن ولا في الأداء ولا في الكلمات". أما عن أغنية "بحبك وحشتيني" لـ حسين الجسمي فقال: "بصراحة إن المطرب حسين الجسمي إحساسه صادق والأغنية تعجبني كثيراً، ونستطيع أن نقول أن من حسنات السينما حالياً إنها تقدم أغاني أفضل بكثير من أغاني التليفزيون و الإذاعة". الضمير العربي وعن أفضل من غنوالأغنية الوطنية فقد أشار الناقد الكبير الي ذلك قائلاً: "بالطبع كل الجيل القديم، فضلاَ عن أن هناك مجموعة من المطربين من جيل الوسط غنوا بشكل جيد للوطن منهم محمد منير، علي الحجار، محمد ثروت، هاني شاكر،سوزان عطية، إيمان الطوخي، إيمان البحر درويش، وعفاف راضي حيث غنت "مصر هى أمي" كلمات عبد الوهاب محمد، وألحان كمال الطويل". أما بالنسبة لهذا الجيل فلا يوجد حتي الآن مطربين غنوا للوطن بشكل جيد. شكر وتقدير للاستاذ الصحفي الكبير لاهداءنا لهذه المقالة التي تكلم بها بافاضة وكلمات من القلب الى قلوب عشاق الزمن الجميل

شادية ولقاء مع مجلة صباح الخير بعد عودتها من اميركا

شادية بتكريمها في مجلة الكواكب 25 اغسطس 2022

تلوين صور شادية من افلامها أبيض واسود






q